بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 29-10-2024 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 735 لسنة2024 طعن تجاري
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2024/701 استئناف تجاري بتاريخ 13-06-2024
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2024/701 استئناف تجاري بتاريخ 13-06-2024
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الملف الإلكتروني وسماع تقرير التلخيص الذي تلاه بالجلسة القاضي المقرر -أحمد محمد عامر- والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت علي الطاعنة الدعوى رقم 729 لسنة 2024 تجاري بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 1,815022 درهمًا، والفائدة القانونية بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة وحتى السداد. وذلك تأسيساً على أنها -مقاول من الباطن- تعاقدت مع الطاعنة المقاول الرئيسي على توريد وتنفيذ أعمال العزل المائي وأعمال تركيب أسقف معلقة في خمسة مشاريع مختلفة "مشروع رمرام، مشروع مصنع الطابق الأرضي عقار رقم 5970580 في منطقة DIP الثانية، مشروع مدينة دبي الدولية ورسان، مشروع المبنى التجاري والسكني، مشروع فيلات بارماروسا"، وقد نفذت جميع التزاماتها التعاقدية ، إلا أن الطاعنة أخلت بالتزامها في سداد الدفعات المستحقة بذمتها عن المشاريع الخمسة ، وقد أقامت الدعوى رقم 417 لسنة 2020 نزاع تعيين خبرة تجاري ، وتم ندب خبير هندسي معماري فيها أودع تقريرًا انتهى فيه إلى نتيجة مُفادها ترصد المبلغ المطالب به في ذمة المطعون ضدها ، ومن ثم فقد أقامت الدعوى ، وبتاريخ 17/4/2024 حكمت المحكمة برفض الدفع المبدى من الطاعنة بعدم قبول الدعوى للاتفاق على التحكيم ، وقبل الفصل في الدفع بعدم السماع والموضوع بندب خبير في الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم في الشق القاضي برفض الدفع بوجود شرط التحكيم بالاستئناف رقم 701 لسنة 2024 تجاري ، وبتاريخ 13/6/2024 قررت المحكمة -في غرفة المشورة- تأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بالتمييز الماثل بصحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 25/6/2024 طلبت فيها نقضه ل خروج الحكم عن إطار نص البند (29) من العقدين -موضوع الدعوي- المتضمن بند التحكيم الذي منح الطاعنة منفردة خيار تحديد الجهة المنوط بها الفصل في أي نزاع في خصوص موضوع العقدين ولاستقلال عقود المشروعات عن بعضها البعض ، قدمت المطعون ضدها مذكرة بدفاعها التفتت عنها المحكمة لتقديمها بعد الميعاد المقرر قانوناً.
وحيث أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن تحديد مدى قابلية الحكم للطعن عليه بطريق التمييز هو من المسائل المتعلقة بالنظام العام التي تقضي فيها المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يثرها أي من الخصوم. وأن مُفاد المادة 152 من قانون الإجراءات المدنية أنه لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى قبل الحكم المنهي للخصومة كلها فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص وكذلك الأحكام الصادرة بالاختصاص إذا لم يكن للمحكمة ولاية الحكم في الدعوى. وأنه يشترط لجواز الطعن في الأحكام الصادرة بالاختصاص على استقلال ثبوت انتفاء ولاية المحكمة بالحكم في الدعوى كأن تنتزع المحكمة ولاية جهة قضائية أخرى أو بالمخالفة لقواعد الاختصاص المقررة قانونًا، وهو ما لا يتأتى الوقوف عليه إلا إذا تصدت المحكمة للدفع بعدم الاختصاص وقضت برفضه وباختصاصها بنظر الدعوى أو قضت ضمنيًا باختصاصها ولم يكن لها ولاية الحكم في الدعوى، بحيث إذا تخلف هذا الشرط فإن الطعن في هذه الأحكام يكون غير جائز. ومن المقرر أيضاً أنه وفقًا لنصوص المواد 1، 2، 4، 5، 6، 7 من قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018 أن التحكيم هو اتفاق الخصوم صراحة على اختصاص التحكيم دون المحاكم بالفصل في كل أو بعض ما قد يشجر بينهم من منازعات أو ما نشب بينهم بالفعل من منازعات ، وأن الاتفاق على التحكيم لا يثبت إلا بالكتابة ، وأن الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم هو دفع شكلي من قبيل الدفوع بعدم الاختصاص، لأن الهدف من التمسك به هو إنكار اختصاص المحكمة بنظر الدعوى . وأن التحكيم هو قضاء اتفاقي يستمد المحكم ولايته فيه من شرط التحكيم الذي يجب أن يكون واضحًا وصريحًا وبعبارات لا يكتنفها اللبس أو الغموض ، وهو لا يفترض ولا يجوز استخلاص ثبوته ضمنًا، كما لا يجوز انصراف أثره إلى غير طرفيه ولا يجبر الغير دون موافقته على الخضوع له. وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتفسير الاتفاقات والعقود وسائر المحررات واستخلاص أطراف شرط التحكيم والشروط المختلف عليها واستظهار النية المشتركة للمتعاقدين بما تراه أوفى بمقصدهما مستشهدة في ذلك بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة عليها من محكمة التمييز متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة ولم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات المحرر أو العقد . وأنه من المقرر كذلك أن اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، هو عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، والتراضي Consent ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم، وجوهره تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين في اتخاذ التحكيم سبيلًا لتسوية منازعاتهما، بعيدًا عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات أيًا كان نوعها وأيًا كان أطرافها، فإذا عبر أحد الطرفين إيجابًا offer عن رغبته في تسوية النزاع عن طريق التحكيم، فيلزم أن يكون قبول acceptance الطرف الآخر باتًا ومنتجًا في إحداث آثاره، حتى يمكن القول بوجود تطابق حقيقي بين إيجاب وقبول طرفي التحكيم consensus ad idem / meeting of the minds على نحو لا يتطرق إليه أي شك أو احتمال أو جدل. ويتحقق التراضي على شرط التحكيم، بالمفاوضات التي تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلي وشروطه ومن بينها شرط التحكيم -باعتباره عقدًا مستقلاً داخل العقد الأصلي- وإثبات التراضي على ذلك كتابة والتوقيع عليه منهما. وأنه إذا أقام الحكم قضاءه على عدة دعامات وكانت إحدى هذه الدعامات كافية لحمل قضائه، فإن تعييبه في باقي الدعامات الأُخرى -بفرض صحته- يكون غير منتج . ومن الأصول المقررة أن شرط التحكيم من جانب واحد "أحادي الجانب" Unilateral arbitration clause هو صورة من صور اتفاقات التحكيم التي يتفق فيها الطرفان على منح أحدهما وحده سلطة الاختيار بين قضاء الدولة أ و التحكيم للفصل فيما يثور بينهما من منازعات. وقد تعددت الاجتهادات في الأنظمة القضائية المقارنة ما بين مؤيدة لصحة ذلك الاتفاق إعمالًا لمبدأ سلطان الإرادة، وبين معارضة له لأسباب مختلفة من بينها أنه يعد شرطًا تعسفيًا أو أنه يخل بمبدأ المساواة بين الأطراف أو ا نتهكاً لتوازن المصالح بين الطرفين بمنح ميزة لطرف دون الأخر في الحق في اختيار طريقة ومكان حل النزاعات أو أنه لا يعد من الأصل اتفاقًا يعكس انصراف إرادة الطرفين إلى اختيار التحكيم سبيلًا لفض المنازعات بينهما ، باعتبار أن اتفاق التحكيم الصحيح يجب أن يكون متكافئًا وحاسمًا في تقابل إرادتين متطابقتين في اتخاذ التحكيم سبيلًا وحيدًا لتسوية منازعاتهما بعيدًا عن محاكم الدولة. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق ومن الترجمة المقدمة من الطاعنة لعقدي المقاولة رقمي 444 ، 524 والتي تمسكت بها الأخيرة أنه قد نص فيها بالبند رقم 29 في كل منهما على أنه "في حالة وجود نزاع ينشأ عن تفسير أو تنفيذ أي من بنود هذه الاتفاقية، تتم تسوية هذا النزاع بموافقة ودية بين الطرفين، وفي حالة عدم القيام بذلك، يحال النزاع إما إلى (أ) التحكيم في غرفة دبي للتجارة. أو (ب) إلى المحكمة المحلية في الإمارات العربية المتحدة. الطريقة التي سيتم استخدامها سيقررها المقاول ?الطاعنة-". ومؤدى ذلك أن ما ورد بالبند سالف البيان لا يعد اتفاقًا ملزمًا للطرفين باللجوء إلى التحكيم يمنع محاكم الدولة من نظر النزاع، لأن أي شرط تحكيم يأتي في سياق التجاور مع اختصاص قضاء الدولة، أو التخيير بينهما ، ولا يحتوي إلا على مبدأ اللجوء إلى التحكيم، دون أن يقطع في الاتفاق على التحكيم وحده والتقيد بقوته الملزمة، لا يكون ملزمًا. ولا محل لما تتمسك به الطاعنة من أن العقدين سند التداعي أعطيا لها وحدها الحق في الاختيار ما بين اللجوء إلى قضاء الدولة أو إلى التحكيم وفقًا للبند 29 من كل عقد للفصل فيما ينشب بينها وبين المطعون ضدها من نزاع ؛ ذلك أن هذا النص -علي هذا النحو- يكون بذلك قد منع المطعون ضدها من اللجوء بداية لجهة لفض ما بينها وبين الطاعنة من نزاع وعليها الانتظار والامتثال لأي خيار تختاره الطاعنة ، كما أنه -بذلك- لا يغير من حقيقة شرط التحكيم أحادي الجانب وأنه شرط تخييري لا يصلح لسلب الاختصاص من قضاء الدولة. وإذ التزم القرار المطعون فيه هذا النظر، وقضى بتأييد الحكم الابتدائي برفض الدفع المبدى من الطاعنة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم تأسيسًا على أن تمسك الطاعنة بعدم صحة الترجمة يعد غير منتج ، لأنه من ضمن شروط إعمال شرط التحكيم أن يكون الاتفاق واضحًا وينبئ صراحة عن رغبة العاقدين في حجب الاختصاص عن المحاكم العادية وجعله لدى جهة التحكيم ، وبالنظر إلى الترجمة التي تمسكت بها الطاعنة فإنها تضمنت التخيير بين اللجوء إلى التحكيم والقضاء العادي، بما لازمه عدم جواز تنازل هذه المحكمة عن اختصاصها القائم بموجب العقد، وكان ما خلص إليه القرار المطعون فيه سائغًا ومستمدًا مما له أصل ثابت بالأوراق ولا مخالفة فيه للقانون ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ، وإذ كان هذا القرار غير مُنهٍ للخصومة برمتها، فإنه يتعين القضاء بعدم جواز الطعن إعمالًا لحكم المادة 152 من قانون الإجراءات المدنية. ولا ينال من ذلك ما تثيره الطاعنة من خطأ القرار المطعون فيه فيما قرره بشأن عدم جواز تجزئة الخصومة لثبوت تعدد مصادر الالتزامات المطالب بها ، ذلك أن القرار المطعون فيه وقد انتهى صحيحًا إلى رفض الدفع المبدَى من الطاعنة بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم تأسيسًا على أنه شرط غير ملزم للطرفين على النحو المتقدم بيانه، فإن تعييبه في الدعامة الأخرى مثار النعي -بفرض صحته- يكون غير منتج، وبالتالي غير مقبول. ، ومن ثم فإن الطعن بطريق التمييز يكون غير جائز وهو ما يتعين القضاء به.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمــة : بعدم جواز الطعن وبإلزام الطاعنة بالمصروفات مع مصادرة مبلغ التأمين.